فصل: تفسير الآية رقم (13)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لطائف الإشارات ***


سورة التغابن

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 3‏]‏

‏{‏يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏1‏)‏ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏2‏)‏ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ‏(‏3‏)‏‏}‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرُ‏}‏‏.‏

المخلوقاتُ كلُّها بجملتها لله سبحانه مُسَبِّحةٌ‏.‏‏.‏ ولكن لا يَسْمَعُ تسبيحَها مَنْ به طَرَشُ النكرة‏.‏

ويقال‏:‏ الذي طَرَأَ صَمَمُه فقد يُرْجَى زواله بنوعِ معالجة، أمَّا مَنْ يولَدُ أصَمَّ فلا حيلةَ في تحصيل سماعه‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإنك لا تسمع الموتى‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 52‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 23‏]‏‏.‏

قوله جل ذكره ‏{‏هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏‏.‏

منكم كافرٌ في سابق حُكْمِه سَمَّاه كافراً، وعَلِمَ أنه يكفر وأراد به الكفر‏.‏‏.‏ وكذلك كانوا‏.‏ ومنكم مؤمنٌ في سابق حُكْمِه سمَّاه مؤمناً، وعِلِمَ في آزاله أنه يُؤمِن وخَلَقَه مؤمناً، وأراده مؤمناً *** والله بما تعلمون بصير‏.‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ‏}‏‏.‏

‏{‏خَلَقَ السَّمَاوَاتِ َالأَرْضَ بِالْحِقِّ‏}‏‏:‏ أي وهو مُحِقُّ في خَلْقِه‏.‏

‏{‏وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏}‏ لم يَقُلْ لشيءٍ من المخوقات هذا الذي قال لنا، صوَّر الظاهرَ وصوَّر الباطنَ؛ فالظاهر شاهدٌ على كمال قدرته، والباطن شاهدٌ على جلال قربته‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏4- 9‏]‏

‏{‏يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏4‏)‏ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏5‏)‏ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ‏(‏6‏)‏ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ‏(‏7‏)‏ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏8‏)‏ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏9‏)‏‏}‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُّسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}‏‏.‏

قصِّروا حِيَلكُم عن مطلوبكم، فهو تتقاصر عنه علومُكم، وأنا أعلمُ ذلك دونَكم‏.‏‏.‏ فاطلبوا منِّي، فأنا بذلك أعلم، وعليه أقدر‏.‏

ويقال‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ‏}‏‏.‏ فاحذورا دقيقَ الرياء، وخَفِيَّ ذات الصدور ‏{‏وَمَا تُعْلِنُونَ‏}‏‏:‏ فاحذروا ان يخالِفَ ظاهرُكم باطنكم‏.‏

في قوله‏:‏ ‏{‏مَا تُسِرُّونَ‏}‏ أمرٌ بالمراقبة بين العبد وربه‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏ما تعلنون‏}‏ أمرٌ بالصدق في المعاملة والمحاسبة مع الخَلْق‏.‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْتِكُمْ نََبَؤُاْ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ واللهُ غَنِىٌّ حَمِيدٌ‏}‏‏.‏

المراد من ذلك هو الاعتبار بِمَنْ سَلَفَ، ومَنْ لم يعتبِرْ عَثَرَ في مَهْوَاةٍ من الامَلِ، ثم لا يَنْتَعِشُ إلاّ بعد فواتِ الأمرِ من يده‏.‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُم‏}‏‏.‏ شاهدوا الأمر من حيث الخَلْقِ فتَطَوَّحوا في متاهاتِ الإشكالِ المختلفةِ الأحوال‏.‏ ولو نظروا بعين الحقيقة لتخلَّصوا من تفرقة الأباطيل، واستراحوا بشهود التقدير من اختلاف الأحوال ذات التغيير‏.‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتُبعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عِملِْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏‏.‏

الموتُ نوعان‏:‏ موتُ نَفْسٍ، وموتُ قلب، ففي القيامة يُبْعَثون من موت النَّفْس، وأمَّا موتُ القلبِ فلا بَعْثَ منه- عند كثيرٍ من مخلصي هذه الطائفة، قال تعالى مُخْبِراً عنهم‏:‏ ‏{‏قَالُواْ يَاوَيْلَنَا مَن بَعَثَننَا مِن مَّرْقَدِنَا‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 52‏]‏ فلو عرفوه لَمَا قالوا ذلك؛ فموتُ قلوبِهم مُسَرْمَدٌ إلى أنْ تصيرَ معارفُهم ضروريةً، فهذا الوقتُ وقتُ موتِ قلوبهم‏.‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏فَئَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذَى أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏‏.‏

‏{‏النور الذي أنزلنا‏}‏‏:‏ القرآن‏.‏ ويجوز ان يكون ما أنزل في قلوب اوليائه من السكينة وفنون الألطاف‏.‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَحْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏}‏‏.‏

المطيعُ- يومئذٍِ- في غبن لأنه لم يستكثر من الطاعة، والعاصي في غبن لأنه استكثر من الزلَّة‏.‏

وليسَ كلُّ الغبنِ في تفاوت الدرجات قلَّةً وكثرة، فالغبن في الأحوال أكثر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏11- 12‏]‏

‏{‏مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏11‏)‏ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ‏(‏12‏)‏‏}‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَهُ بِكُلِّ شَئ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

أيُّ حُصْلةٍ حَصَلت فمِنْ قِبَلِه خَلْقاً، وبعلمه وإرادته حُكماً‏.‏

‏{‏يَهْدِ قَلْبَهُ‏}‏ حتى يهتدي إلى الله في السَّراء والضَّراء- اليومَ- وفي الآخرة يهديه إلى الجنة‏.‏

ويقال‏:‏ ‏{‏يَهْدِ قَلْبَهُ‏}‏ للأخلاق السنيَّة، والتنقِّي من شُحِّ النَّفْس‏.‏

ويقال‏:‏ ‏{‏يَهْدِ قَلْبَهُ‏}‏ لاتِّباع السُّنَّةِ واجتنابِ البِدْعة‏.‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولً فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ‏}‏‏.‏

طاعةُ الله واجبة، وطاعةُ الرُّسُل- الذين هم سفراءٌ بينه وبين الخَلْقِ- واجبةٌ كذلك‏.‏ والأنوار التي تظهر عليك وتطالَبُ بمقتضياتها كلُّها حقٌّ، ومن الحقِّ‏.‏‏.‏ فتجب طاعتُها أيضاً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏14- 16‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏14‏)‏ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ‏(‏15‏)‏ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوَّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُو وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمُ‏}‏‏.‏

إذا دَعَوْكَ لتجمَع لهم الدنيا فهم عدوٌّ لك، أمَّا إذا أخذتم منها على وجه العفاف فليسوا لكم أعداء‏.‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏إِنَّمآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ‏}‏‏.‏

‏{‏فِتْنَةٌ‏}‏‏:‏ لأنهم يشغلونك عن أداء حقِّ الله؛ فما تَبْقَ عن الله مشغولاً بجمعه فهو غيرُ ميمونٍ عليك‏.‏

ويقال‏:‏ إذا جمعتم الدنيا لغير وَجْهِه فإنكم تُشغَلُون بذلك عن أداءِ حقِّ مولاكم، وتشغلكم أولادُكم، فتبقون بهم عن طاعة الله- وتلك فتنةٌ لكم‏.‏‏.‏ ترومون إصلاحَهم‏.‏ فتفسدون أنتم وهم لا يًصْلَحون‏!‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏‏.‏

أي ما دمتم في الجملة مستطيعين ويتوجه عليكم التكليف فاتقوا لله‏.‏ والتقوى عن شهود التقوى بعد إلا يكونَ تقصيرٌ في التقوى غايةُ التقوى‏.‏

‏{‏وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ‏}‏ حتى ترتفعَ الاخطارُ عن قلبه، ويتحرَّر من رِقِّ المكونات، ‏{‏فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏17- 18‏]‏

‏{‏إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ‏(‏17‏)‏ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏18‏)‏‏}‏

قوله جل ذكره‏:‏ ‏{‏إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمُ‏}‏‏.‏

يتوجَّه بهذا الخطاب إلى الأغنياء بِبَذْلِ أموالهم، وللفقراء في إخلاءِ أيامهم وأوقاتهم من مراداتهم وإيثارِ مرادِ الحقِّ على مرادِ أنفسِهم‏.‏

فالغنيُّ يُقال له‏:‏ آثِرْ حُكْمي على مرادك في مالِك، والفقيرُ يقال له‏:‏ آثِرْ حُكْمي في نَفْسِك وقلبك ووقتك وزمانك‏.‏

‏{‏عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏}‏‏.‏

جلَّ شأنه‏.‏

سورة الطلاق

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ‏(‏1‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعَدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏

الطلاقُ- وإنْ كان فراقاً- فلم يجعله الحقُّ محظوراً *** وإن كان من وجهٍ مكروهاً‏.‏

وللطلاق وقتية‏:‏ سُنِّية بِدْعيه، ومباحة، لا سنية ولا بدعية؛ فالسنية‏:‏ أَنْ تطلَّقَ في طُهْرٍ لم تُباشَر فيه طلقةً واحدة، والبدعية‏:‏ في حال الحيض وطُهْرٍ جُومعت فيه، والمباحة‏:‏ في طهر بعد حيض ثم يطلقها من قبل أن يجامعها- والطلاق أكثر من واحدة‏.‏

والعِدَّةُ- وان كانت في الشريعة لتحصين ماء الزوج محاماةً على الأنساب لئلا يدخل على ماء الزوج ماءُ آخر- فالغالبُ والأقوى في معناها أنها للوفاء للصحبة الماضية في وصلة النكاح‏.‏

والإشارة في لآيات التالية إلى انه بعد أن انتهت الوصلة فلا أقلَّ من الوفاء مدةً لهذه الصغيرة التي لم تحِضْ، وهذه الآيسة من الحيض، وتلك التي انقطع حَيْضُهَا، والحُبْلَى حتى تلد‏.‏‏.‏ كل ذلك مراعاةً للحرمة‏:‏ وعِدَّةُ الوفاة تشهد على هذه الجملة في كونها أطول؛ لأن حُرْمَة الميت أعظم وكذلك الإمداد في أيام العِدَّة *** المعنى فيه ما ذكرنا من مراعاة الوفاء والحرمة‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏‏.‏

العبوديةُ‏:‏ الوقوف عند الحدِّ، لا بالنقصان عنه ولا بالزيادة عليه، ومَنْ راعى مع اللَّهِ حَدَّه أخلص اللَّهُ له عَهْدَه‏.‏‏.‏‏.‏

‏{‏لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً‏}‏‏.‏

قالوا‏:‏ أراد نَدَماً، وقيل‏:‏ وَلَداً، وقيل‏:‏ مَيْلاً إليها، أولها إليه؛ فإن القلوبَ تتقلب‏:‏

والإشارة في إباحة الطلاق إلى أنه إذا كان الصبرُ مع الأشْكال حقّا للحرمة المتقدمة فالخلاصُ من مُسَاكنة الأمثال، والتجرُّدُ لعبادة الله تعالى أوْلَى وأحَقُّ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏2- 4‏]‏

‏{‏فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ‏(‏2‏)‏ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ‏(‏3‏)‏ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ‏(‏4‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ‏}‏‏.‏

إذا صَدَقَ العبدُ في تقواه أخرجه من بين أشغاله كالشعرة تُخْرَجُ من بين العجِين لا يَعْلَقُ بها شيءٌ‏.‏ ويضربُ الله تعالى على المُتَّقِي سرادقاتِ عنايته، ويُدْخِلُه في كنف الإيواء، ويَصْرِفُ الأشغال عن قلبه، ويُخْرِجُه من ظلمات تدبيره، ويُجَرِّدُه من كل أمر، وينقله إلى فضاء تقديره‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ‏}‏‏.‏

لم يقل‏:‏ ومَنْ يتوكل على الله فتوكُّلُه حَسْبُه، بل قال‏:‏ ‏{‏فَهُوَ حَسْبُهُ‏}‏؛ أي فاللَّهُ حَسْبُه أي كافيه‏.‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً‏}‏‏.‏

إذا سَبَقَ له شيءٌ من التقدير فلا محالةَ يكون، ويتَوَكُّله لا يتغير المقدور ولا يستأخر، ولكنَّ التوكَّل بنيانه على أنْ العبدُ مُرَوَّحَ القلب غيرَ كارهٍ *** وهذا من أَجَلِّ النِّعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ‏}‏ *** إلى قوله‏:‏

‏{‏يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً‏}‏

التوكلُ‏:‏ شهود نَفْسِك خارجاً عن المُنَّة تجري عليكَ أحكامُ التقديرِ من غير تدبيرٍ منك ولا اطّلاعٍ لكَ على حُكمِه، وسبيلُ العبدِ الخمودُ والرضا دونَ استعلام الامر، وفي الخبر‏:‏ «اعوذ بك من عِلْمٍ لا ينفع» ومن العلم الذي لا ينفع- ويجب أَنْ تستعيذَ منه- أن يكون لك شُغْلٌ أو يستقبلك مُهِمٌّ من الأمر ويشتبه عليك وجهُ التدبيرِ فيه، وتكون مُطَالَباً بالتفويض- فَطَلبُكَ العلم وتمنِّيكَ أَنْ تعرفَ متى يصلح هذا الأمرُ‏؟‏ ولأي سبَبٍ‏؟‏ ومِنْ أيِّ وجهٍ‏؟‏ وعلى يد مَنْ‏؟‏ *** كل هذا تخليطٌ، وغيرُ مُسَلَّمٍ شيءٌ منه للأكابر‏.‏

فيجب عليك السكونُ، وحُسْنُ الرضا‏.‏ حتى إذا جاء وقتُ الكَشْف فسترى صورة الحال وتعرفه، وربما ينتظر العبدُ في هذه الحالة تعريفاً في المنام أو ينظر في ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ من الجامع، أو يرجو بيان حاله بأن يجري على لسان مستنطق في الوقت‏.‏‏.‏ كلُّ هذا ترْكٌ للأدب، واللَّهُ لا يَرْضى بذلك من أوليائه، بل الواجبُ السكونُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏7- 11‏]‏

‏{‏لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ‏(‏7‏)‏ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ‏(‏8‏)‏ فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ‏(‏9‏)‏ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ‏(‏10‏)‏ رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ‏(‏11‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ ءَاتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ ءَاتَاهَا‏}‏‏.‏

إذا اتسع رزقُ العبد فعلى قَدْرِ المُكنَةِ يُطَالَبُ بالإعطاء والنفقة فمن قدر عليه رزقه- أي ضيِّق- فينفق مما آتاه الله أي من متاع البيت، ومن رأسِ المال- إن لم يكن من الربح، ومن ثمنِ الضيعة- إن لم يكن من الغَلَّة‏.‏

ومَنْ ملك ما يكفيه للوقت، ثم اهتمَّ بالزيادة للغد فذلك اهتمامٌ غيرُ مرضيٍّ عنه، وصاحبُه غير مُعَان‏.‏ فأمَّا إذا حصل العجزُ بكلِّ وجهٍ، فإن الله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ ءَاتَاهَا‏}‏ وسيجعل الله بعد عسرٍ يسراً‏.‏ هذا من أصحاب المواعيد- وتصديقه على حسب الإيمان، وذلك على قَدْرِ اليقين- ويقينه على حسب القِسْمة‏.‏ وانتظارُ اليُسْرِ من اللَّهِ صفةً المتوسطين في الاحوال، الذين انحطُّوا عن حدِّ الرضا واستواءِ وجودِ السبب وفَقْدِه، وراتقوا عن حدِّ اليأس والقنوط، وعاشوا في أفياء الرجال يُعَلِّلون بحُسْنِ المواعيد *** وأبداً هذه حالتهم وهي كما قلنا‏:‏

إنْ نَابَكَ الدهرُ بمكروهه *** فعِشْ بتهوين تصانيفه

فَعنْ قريبٍ ينجلي غَيْمُه *** وتنقضي كلُّ تصاريفه

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً‏}‏‏.‏

مَنْ زرع الشوكَ لم يَجْن الوردَ، ومَنْ أضاع حقَّ اللَّهِ لا يُطَاع في حظِّ نَفْسه‏.‏ ومن اجترأ بمخالفةِ أمرِ الله فليصبِر على مقاساة عقوبة الله‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ‏}‏‏.‏

إنَّ كتابَ الله فيه تبيانٌ لكلِّ شيءٍ *** فَمَنْ استضاءَ بنوره اهتدى، ومَنْ لجأ إلى سعة فنائه وَصَلَ من داءِ الجهل إلى شِفائه‏.‏

ومَنْ يؤمِنْ بالله، ويعملْ صالحاً لله، وفي الله، فله دوامُ النُّعمى من الله *** قال تعالى‏:‏

‏{‏قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً‏}‏‏.‏

والرزقُ الحسنُ ما كان على حدِّ الكفاية؛ لا نقصانَ فيه تتعطَّلُ الأمورُ بسببه، ولا زيادةَ فيه تَشْغَلُه عن الاستمتاع بما رُزِق لِحْرصِه‏.‏

كذلك أرزاقُ القلوبِ‏.‏ أحسنُها أن يكون له من الأحوال ما يشتغل به في الوقت؛ من غير نقصانٍ يجعله يتعذَّّب بتعَطُّشِه، ولا تكون فيه زيادة فيكون على خَطَرٍ من مغاليطَ لا يَخْرُجُ منها إلاَّ بتأييدٍ سماويٍّ من الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ‏(‏12‏)‏‏}‏

خَلَقَ سبعَ سمواتٍ، وخَلَقَ ما خَلَقَ وهو مُحِقٌّ فيما خَلَقَ وأمر، حتى نعلم استحقاقَ جلالهِ وكمالَ صفاته، وأنه أمضى فيما قضى حُكماً، وأنه أحاط بكل شيء علماً‏.‏

سورة التحريم

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏1‏)‏‏}‏

جاء في القصة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم حَرَّم على نفسه مارية القبطية، وفي الحال حَلَفَ ألاَّ يطأَها شهراً مراعاةً لقلب حفصة حيث رأت النبي صلى الله عليه وسلم معها في يومها‏.‏

وقيل‏:‏ حَرَّمَ على نَفْسِه شرْبَ العسل لمَّا قالت له زوجاته، إِنَّا نشم منك ريح المغافير‏!‏

- والمغافير صمغ في البادية كريه الرائحة، ويقال‏:‏ بقلة كريهة الرائحة *** فعاتَبَه اللَّهُ على ذلك‏.‏

وهي صغيرةٌ منه على مذهب مَنْ جَوَّزَ الصغائر عليه، وتَرْكٌ للأُوْلَى على مذهب مَنْ لم يجوِّز‏.‏

وقيل‏:‏ إنه طَلَّقَ حفصة طلقةً واحدة، فأمره الله بمراجعتها، وقال له جبريل‏:‏ إنها صوَّامَةٌ قوَّامَة‏.‏

وقيل‏:‏ لم يطلقها ولكن هَمَّ بتطليقها فَمَنَعه اللَّهُ عن ذلك‏.‏

وقيل‏:‏ لمَّا رأته حفصة مع مارية في يومها قال لها‏:‏ إنِّي مُسِرٌّ إليك سِرّاً فلا تخبري أحداً‏:‏ إنَّ هذا الأمر يكون بعدي لأبي بكر ولأبيك‏.‏

ولكن حفصة ذكرت هذا لعائشة، وأوحى الله له بذلك، فسأل النبيُّ حفصة‏:‏ لِمَ أخبرتِ عائشة بما قلت‏؟‏

فقالت به‏:‏ ومَنْ أخبرك بذلك‏؟‏قال أخبرني الله، وعَرَّفَ حفصةَ بعضَ ما قالت، ولم يصرِّحْ لها بجميع ما قالت، قال تعالى‏:‏ ‏{‏عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ‏}‏، فعاتبها على بعضٍ وأعرْضَ عن بعض- على عادة الكِرام‏.‏

ويقال‏:‏ إن النبي- صلى الله عليه وسلم- لمَّا نزلت هذه الآية كان كثيراً ما يقول‏:‏ «اللهم إني أعوذ بك من كل قاطعِ يقطعني عنك»‏.‏

وظاهرُ هذا الخطاب عتاب على أنَّه مراعاةً لقلب امرأته حَرَّمَ على نفسه ما احلَّ اللَّهُ له‏.‏

والإشارةُ فيه‏:‏ وجوبُ تقديم حقِّ الله- سبحانه- على كل شيء في كل وقت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ‏(‏2‏)‏‏}‏

أنزل الله ذلك عنايةً بأمره عليه السلام، وتجاوزاً عنه‏.‏ وقيل‏:‏ إنه كَفَّرَ بعتق رقبة، وعاوَدَ مارية‏.‏

واللَّهُ- سبحانه- أجرى سُنَّتَه بأنه إذا ساكَن عَبْدٌ بقلبه إلى أحدٍ شَوَّشَ على خواصِّه محلَّ مساكنته غَيْرَةً على قلبه إلى أَنْ يُعَاوَدَ رَبَّه، ثم يكفيه ذلك- ولكن بعد تطويل مدةٍ، وأنشدوا في معناه‏:‏

إذا عُلِّقَت روحي حبيباً تعلَّقت *** به غَيرُ الأيام كل تَسْلَبَنِّيَهُ

وقد ألقى الله في قلبِ رسوله صلى الله عليه وسلم تناسياً بينه وبين زوجاته فاعتزلهن، وما كان من حديث طلاق حفصة، وما عاد إلى قلب أبيها، وحديث الكفاية، وإمساكه عن وطء مارية تسعاً وعشرين ليلة‏.‏‏.‏ كل ذلك غَيْرَةً من الحق عليه، وإرادتُه- سبحانه- تشويشُ قلوبهم حتى يكون رجوعُهم كلُّهم إلى الله تعالى بقلوبهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏4- 5‏]‏

‏{‏إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ‏(‏4‏)‏ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ‏(‏5‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ظَهِيرٌ‏}‏‏.‏

عاتبهما على السير من خَطَراتِ القلب، ثم قال‏:‏ ‏{‏وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏

‏{‏وَصَالحُ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ مَنْ لم يكن منهم في قلبه نفاق، مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما‏.‏

وجاء‏:‏ أن عمر بن الخطاب لما سَمِعَ شيئاً من ذلك قال لرسول الله‏:‏

لو أمرتني لأضربنَّ عُنُقَها‏!‏

والعتاب في الآية مع عائشة وحفصة رضى الله عنهما إذ تكلمتا في أمر مارية‏.‏

ثم قال تعالى زيادةً في العتاب وبيان القصة‏:‏

‏{‏عَسَى رَبُّهُ إِن طَلًَّقَكُنَّ أن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خِيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَآئِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَآئِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏6- 8‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ‏(‏6‏)‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏7‏)‏ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏8‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُوُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ‏}‏‏.‏

أي‏:‏ فَقَّهوهم، وأَدِّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله، وامنعوهم عن استحقاق العقوبة بإرشادهم وتعليمهم‏.‏

ودلَّت الآيةُ‏:‏ على وجوبِ الأمرِ بالمعروف في الدَّين للأقرب فالأقرب‏.‏

وقيل‏:‏ أظْهِرُا من أنفسكم العبادات ليتعلَّموا منكم، ويعتادوا كعادتكم‏.‏

ويقال‏:‏ دلُّوهم على السُّنَّةِ والجماعة‏.‏

ويقال‏:‏ عَلِّموهم الأخلاقَ الحِسان‏.‏

ويقال‏:‏ مُرُوهم بقبول النصيحة‏.‏

‏{‏وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارةُ‏}‏‏:‏ الوقود‏:‏ الحطب‏.‏

ويقال‏:‏ أمر الناس يصلح بحجرة أومَدَرَة، فإن أصل الإنسان مدرة، ولو أنه أقام حَجَرَةٌ مقامَ مَدَرة فلا غروَ من فَضْلِ الله‏.‏

اللهمَّ فأَلْقِ فيها بَدَلنا حَجَراً وخلِّصْنا منها‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

إذا فاتَ الوقتُ استفحل الأمرُ، وانغلق البابُ، وسقطت الحِيَلُ‏.‏ *** فالواجبُ البِدارُ والفرارُ لتصل إلى رَوْحِ القَرار‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِها الأَنْهَارُ‏}‏‏.‏

التوبةُ النصوحُ‏:‏ هي التي لا يَعقُبها نَقْصٌ‏.‏

ويقال‏:‏ هي التي لا تراها من نَفْسِك، ولا تبى نجاتَكَ بها، وإنما تراها بربِّك‏.‏

ويقال‏:‏ هي أنْ تجدَ المرارةَ في قلبك عند ذكر الزَّلَّة كما كُنْتَ تجد الراحة لنفسِك عند فِعْلِها‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏يَوْمَ لاَ يُخْزِى اللَّهُ النَّبِىَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيِهمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

لا يُخزِي اللَّهُ النبيَّ بِتَرْكِ شفاعته، والذين آمنوا معه بافتضاحِهم بعد ما قَبِلَ فيهم شفاعته‏.‏

‏{‏نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أََيْدِيِهمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ‏}‏ عبَّر بذلك عن أنَّ الإيمانَ من جميع جهاتهم‏.‏

ويقال‏:‏ بأَيمانهم كتابُ نجاتهم‏:‏ أراد نور توحيدهم ونور معرفتهم ونور إيمانهم، وما يخصُّهم اللَّهُ به من الأنوارِ في ذلك اليوم‏.‏

‏{‏يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْممْ لَنَا نُورَنَا‏}‏‏:‏ يستديمون التضرُّعَ والابتهالَ في السؤال‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏9- 11‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏9‏)‏ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ‏(‏10‏)‏ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏يَأَيُّهَا النَّبِىُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ والمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ‏}‏‏.‏

أمَرَه بالمُلايَنَةِ في وقت الدعوة، وقال‏:‏ ‏{‏وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏]‏ ثم لمَّا أصرُّوا- بعد بيان الحُجَّةِ- قال‏:‏ ‏{‏وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ‏}‏‏:‏ لأن هذا في حالِ إصرارهم، وزوالِ أعذارهم‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ‏}‏‏.‏

لمَّا سَبَقَتْ لهما الفُرْقةُ يومَ القِسْمة لم تنفعْهما القربةُ يومَ العقوبةُ‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكمَ بَيْتاً فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

قالوا‏:‏ صغرت هِمَّتُها حيث طلبت بيتاً في الجنة، وكان من حقِّها أنْ تطلب الكثير *** ولا كما تَوهمَّوا‏:‏ فإنها قالت‏:‏ ‏{‏رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ‏}‏ فطلبَتْ جوارَ القربة، ولَبيْتٌ في الجِوار أفضلُ من ألف قصرٍ في غير الجوار‏.‏ ومن المعلوم أنَّ عِنديَّةَ هنا العِنديَّةُ القربة والكرامة‏.‏‏.‏ ولكنه على كل حال بيت له مزية على غيره، وله خصوصية‏.‏ وفي معناه أنشدوا‏:‏

إني لأحْسُد جارَكم لجواركم *** طُوبى لِمَن أضحى لدارِكَ جارا

يا ليت جارَك باعني من داره *** شِبْراً لأُعطيه بِشِبْر دارا

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

خَتَم السورة بِذكْرها بعد ما ذكر امرأةُ فرعون، وهما من جملة النساء، ولمَّا كثُر في هذه السورة ذكْرُ النساء أراد الله سبحانه أَلاَّ يُخْلَى السورة من ذكرها تخصيصاً لقدْرِها‏.‏

سورة الملك

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 3‏]‏

‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏1‏)‏ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ‏(‏2‏)‏ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ‏(‏3‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

تَقَدَّسَ وتعالَى، مَنْ إحسانُه تَواتَرَ وتَوالَى، فهو المتكبِّرُ في جلالِ كبريائه، المتجرِّد في علاءِ بهائه ودوامِ سنائه‏.‏

‏{‏بِيَدِهِ الْمُلْكُ‏}‏‏:‏ بقدرته إظهارُ ما يريد، ‏{‏وَهَوَ عَلَى كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

‏{‏الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ‏}‏‏.‏

خَلَقَ الموتَ والحياةَ، ابتلاءً للخَلْق، يختبرهم ليَظْهَر له شكرانهُم وكفرانُهم، كيف يكونان عند المحنة في الصبر وعند النعمة في الشكر- ‏{‏وَهُوَ الْعِزِيزُ الْغَفُورُ‏}‏‏.‏

‏{‏الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوِتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ‏}‏‏.‏

عَرَّفَهم كمالَ قدرتِه بدلالاتِ خَلْقِه، فَمسَك السماءَ وأمسكها بلا عِمدَ، ورَكَّبَ أجزاءَها غيرَ مُسْتعينٍ بأحدِ في خَلْقِها، وبالنجومِ زَيَّنهَا، ومِنَ استراقِ سمعِ الشياطين حَصَّنها، وبغيرِ تعليم مُعلِّم أحكمها وأتقنها‏.‏

‏{‏مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ‏؟‏‏}‏‏:‏ لا ترى فيما خَلَقَ تفاوتاً ينافي آثارَ الحكمة ولا يدل على كمال القدرة‏.‏

ويقال‏:‏ ما ترى فيها تفاوتاً، في استغنائه عن الجميع *** ما ترى فيها تفاوتاً في الخَلْقِ؛ فَخْلقُ الكثير واليسير عنده سيَّان، فلا يَسْهُلُ عنده القليلُ ولا يَشُقُّ عليه الكثير؛ لأنه مُتَنَزَّهٌ عن السهولة عليه ولحوقِ المشقة به‏.‏

فأنْعِمْ النظرَ، وكَرِّر السِّبْرَ والفِكْرَ *** فلن تجد فيها عيباً ولا في عِزِّه قصوراً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏5- 12‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ‏(‏5‏)‏ وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏6‏)‏ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ‏(‏7‏)‏ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ‏(‏8‏)‏ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ ‏(‏9‏)‏ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ‏(‏10‏)‏ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ‏(‏11‏)‏ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلّشَيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ‏}‏‏.‏

زَيَّنَ السماءَ بالكواكب والنجوم، وزَيَّنَ قلوبَ أوليائه بأنواعٍ من الأنوار والنجوم؛ فالمؤمنون قلوبُهم مُزَيَّنةٌ بالتصديق والإيمان ثم بالتحقيق بتأَمُّل بالبرهان، ثم بالتوفيق لطلب البيان‏.‏ والعارفون قلوبهم مُزَيَّنةٌ بشمسِ التوحيد، وأرواحُهم مُزَيَّنةٌ بأنوار التفريد، وأسرارُهم مزينةٌ بآثارِ التجريد *** وعلى القياس‏:‏ «لكلِّ طائفةٍ أنوارٌ»‏.‏

‏{‏وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينَ‏}‏‏:‏ فمن النجوم ما هو للشياطين رجوم، ومنها ما هو للأهتداء به معلوم *** فأخبر أن هذا القَدْرَ من العقوبة بواسطة الرجوم لا يكفي، وإنما يُعَذِّبهم مؤبَّدين في السعير‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقاً وَهِى تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَآ أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ‏}‏‏.‏

أخبر‏:‏ أنهم يحْتَجُّ عليهم بإرسال الرسل، فتقول لهم الملائِكةُ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ‏}‏‏.‏

‏{‏قَالُواْ بَلَى قَدْ جَآءَانَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَئ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضَلاَلٍ كَبِيرٍ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ‏}‏‏.‏

‏{‏وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أََوْ نَعْقِلُ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ فأخبر أنهم لم يكن لهم سمع قبول، فاستوجبوا العقوبة لأَجْلِه، لم يسمعو نصيحةَ الناصحين ولا وَعْظَ الواعظين، ولا ما فيه لقلوبهم حياة‏.‏

وفي الآية للمؤمنين بشارة؛ لأنهم يسمعون ويعقلون ما يسمعون؛ فإِنَّ مَنْ سَمِعَ بالحقِّ سمع كل ما يقال عن الحق مِنْ كل مَنْ يقول عن الحق، فيحصل له الفهم لما يسمع، لأنه إذا كان من أهل الحقائق يكون سَمْعُه من الله وبالله وفي الله‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ‏}‏‏.‏

اعترفوا بذنبهم ولكن في غير وقت الاعتراف *** فلا جَرَمَ يقال لهم‏:‏ ‏{‏فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعيرِ‏}‏‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ‏}‏‏.‏

الخشيةُ توجِب عدمَ القرار فيكون العبدُ أبداً- لانزعاجه- كالحَبِّ على المَقْلَى؛ لا يَقَرًُّ ليلَه أو نهارَه، يتوقَّعُ العقوباتِ مع مجاري الأنفاس، وكلمَّا ازداد في الله طاعةً ازداد لله خشيةً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏13- 17‏]‏

‏{‏وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏13‏)‏ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ‏(‏14‏)‏ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ‏(‏15‏)‏ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ‏(‏16‏)‏ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ‏(‏17‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}‏‏.‏

خوَّفَهم بِعلْمِه، ونَدَبَهم إلى مراقبته، لأنه يعلم السِّرَّ وأخفى، ويسمع الجَهْرَ والنجوى *** ثم قال مُبَيِّناً‏:‏

‏{‏أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبَيرُ‏}‏‏.‏

وفي كل جُزْءِ مِنْ خَلْقِه- من الأعيانِ والآثارِ- أدِلةٌ على علمه وحكمته‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلولاً فَامْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوْ مِن رِّزْقِه وَإِلَيْهِ النُّشُورُ‏}‏‏.‏

أي إذا أردتم أن تضربوا في الأرضِ سَهَّلَ عليكم ذلك‏.‏

كذلك جعل النَّفْس ذلولاً؛ فلو طَالَبْتَها بالوفاقِ وَجَدْتَها مُسَاعدةً مُوَافقة، مُتَابِعةً مُسَابِقة *** وقد قيل في صفتها‏:‏

هي النَّفْسُ ما عَوَّدْتها تتعودُ *** وللدهرِ أيامٌ تُذَمُّ وتُحْمَدُ

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ‏}‏‏.‏

‏{‏مَّن فِى السَّمَآءِ‏}‏ أراد بهم الملائكة الذين يسكنون السماء، فهم مُوَكَّلون بالعذاب‏.‏

وخوَّفهم بالملائكة أن يُنْزِلوا عليهم العقوبةََ من السماء، أو يخسفوا بهم الأرض، وكذلك خَوَّفَهمِ أنْ يُرْسِلوا عليهم حجارةً كما أرسلوا على قوم لوط‏.‏ وبيَّن أنَّ مَنْ كذَّب قَبْلَ هؤلاءِ رُسُلَهم كيف كانت عقوبتهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏19- 20‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ‏(‏19‏)‏ أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَئ بَصِيرُ‏}‏‏.‏

أو لم يروا كيف خَلَقَ الطيور على اختلاف أجناسها، واختصاصها بالطيران لأن لها أجنحة- بخلاف الأجسام الأخر *** مَنْ الذي يمسكهن ويحفظهن وهن يقبضن ويبسطن أجنحتهن في الفضاء‏؟‏ وما الذي يوجبه العقل حفظ هذه الطيور أم بقية الأجسام الأُخر‏؟‏

‏{‏أََمَّنْ هَذَا الَّذِى هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ‏}‏‏.‏

إِن أراد الرحمنُ بك سوءاً *** فَمَنْ الذي يُوَسِّعُ عليكم ما قَبَضَه، أو يمحوا ما أثبته، أو يُقَدِّمُ ما أَخَّرَه، أو يُؤَخّرُ ما قدَّمَه‏؟‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏22- 23‏]‏

‏{‏أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ‏(‏22‏)‏ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ قُلْ هُوَ الَّذِى أَنشَأَكُمْ‏}‏‏.‏

وخَصَّكم بالسمع والبصر والأفئدة، وأنتم لا تشكرون عظيمَ نِعَمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

وأجاب عنه حيث قال‏:‏ لا تستعجلوا العذاب، وبيَّن أنهم إذا رأوه كيف يخافون وكيف يندمون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏28- 30‏]‏

‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ‏(‏28‏)‏ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏29‏)‏ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ‏(‏30‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللَّهُ وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الكَافِرِينَ مِنَ عَذَابٍ أَلِيمٍ قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ ءَامَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏

وإليه أمورنَا- جملةً- فَوَّضْنَا‏.‏

‏{‏قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعِين‏}‏ مَنْ الذي يأتيكم بالماء إذا صار غائراً في الأرض لا تناله الأيدي‏.‏

وهذه الآيات جميعها على وجه الاحتجاج عليهم *** ولم يكن لواحدٍ عن ذلك جواب‏.‏

سورة القلم

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 4‏]‏

‏{‏ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ‏(‏1‏)‏ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ‏(‏2‏)‏ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ‏(‏3‏)‏ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ‏(‏4‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏ن وَالقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ‏}‏‏.‏

‏{‏ن‏}‏ قيل‏:‏ الحوت الذي على ظهره الكون، ويقال‏:‏ هي الدواة‏.‏

ويقال‏:‏ مفتاح اسمه ناصر واسمه نور‏.‏

ويقال‏:‏ إنه أقسم بنُصْرَة الله تعالى لعبادِه المؤمنين‏.‏

وأقسم بالقلم- وجوابُ القسم قولُه‏:‏

‏{‏مَآ أَنت َبِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ‏}‏‏.‏

ما أوجب لصدره من الوحشة من قول الأعداء عنه‏:‏

إنه مجنون، أزاله عنه بنفيه، ومحقَّقاً ذلك بالقَسَم عليه *** وهذه سُنَّةُ الله تعالى مع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فما يقوله الأعداءُ فيه يردُّه- سبحانه- عليهم بخطابه وعنه ينفيه‏.‏

‏{‏وَإِنَّ لَكَ لأجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ‏}‏‏:‏ أي غير منقوص *** لمَّا سَمَتْ هِمَّتُه صلى الله عليه وسلم عن طلب الأعواض أثبت اللَّهُ له الأجر، فقال له‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ‏}‏- وإنْ كُنْتَ لا تريده‏.‏

ومن ذلك الأَجْر العظيم هذا الخُلُق، فأنت لستَ تريد الأجْرَ- وبِنَا لَسْتَ تريد؛ فلولا أنْ خَصَصْناكَ بهذا التحرُّر لكنتَ كأمثالِك في أنهم في أسْرِ الأعواض‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏‏.‏

كما عرَّفَه اللَّهُ سبحانه أخبارَ مَنْ قبْلَه من الأنبياء عرَّفه أنه اجتمعت فيه متفرقاتُ أخلاقهم فقال له‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏‏.‏

ويقال‏:‏ إنه عَرَضَ مفاتيحَ الأرضِ فلم يقبلْها، ورقّاه ليلةَ المعراج، وأراه جميع المملكة والجنة فلم يلتفت إليها، قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى‏}‏ ‏[‏النجم‏:‏ 17‏]‏ فما التفت يميناً ولا شمالاً، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنٍَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏ *** ويقال‏:‏ ‏{‏على خلق عظيم‏}‏‏:‏ لا بالبلاءِ تنحرف، ولا بالعطاءِ تنصِرف؛ احتمل صلوات الله عليه في الأذى شَجَّ رأسِه وثَغْرِه، وكان يقول‏:‏

«اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» وغداً كلٌّ يقول‏:‏ نفسي نفسي وهو صلوات الله عليه يقول‏:‏ «أمتي أمتي»

ويقال‏:‏ عَلّمه محاسنَ الأخلاق بقوله‏:‏ ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْمَعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ‏}‏‏.‏

سأل صلواتُ الله عليه جبريل‏:‏ «بماذا يأمرني ربي‏؟‏ قال‏:‏ يأمرك بمحاسن الأخلاق؛ يقول لك‏:‏ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وأعْطِ مَنْ حَرَمك واعفٌ عَمَّن ظَلَمَك» فتأدَّبَ بهذا؛ فأثنى عليه وقال‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏5- 9‏]‏

‏{‏فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ‏(‏5‏)‏ بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ ‏(‏6‏)‏ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ‏(‏7‏)‏ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ‏(‏8‏)‏ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِيّكُمُ المَفْتُونُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ‏}‏‏.‏

المفتون‏:‏ المجنون لأنه فُتِنَ أي مُحِنَ بالجنون‏.‏

‏{‏فَلاَ تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ‏}‏‏.‏

معبودُكَ واحدٌ فليكن مقصودُك واحداً *** وإذا شهدت مقصودك واحداً فليكنْ مشهوداً واحداً‏.‏

‏{‏وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ‏}‏‏.‏

مَنْ أصبح عليلاً تمنَّى أَنْ يكونَ الناسُ كلُّهم مَرْضَى *** وكذا مَنْ وُسمَ بكيِّ الهجران ودَّ أَنْ يُشارِكه فيه مَنْ عاداه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 17‏]‏

‏{‏وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ‏(‏10‏)‏ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ‏(‏11‏)‏ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ‏(‏12‏)‏ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ‏(‏13‏)‏ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ‏(‏14‏)‏ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ‏(‏15‏)‏ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ‏(‏16‏)‏ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ‏}‏‏.‏

وهو الذي سقط من عيننا، وأقميناه بالبعد عنا‏.‏

‏{‏هَمَّازٍ مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ‏}‏‏.‏

محجوبٍ عنَّا مُعّذَّبٍ بخذلان الوقيعة في أوليائنا‏.‏

‏{‏مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ‏}‏‏.‏

مُهانٍ بالشُّحِّ، مسلوب التوفيق‏.‏

‏{‏مُعْتَدٍ أَثِيمٍ‏}‏‏.‏

ممنوعِ الحياءِ، مُشَتَّتٍ في أودية الحرمان‏.‏

‏{‏عُتُلِّ بَعْدَ ذَالِكَ زَنِيمٍ‏}‏‏.‏

لئيم الاصل، عديم الفضل، شديد الخصومة بباطله، غير راجعٍ في شيءٍ منْ الخير إلى حاصله‏.‏

‏{‏أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ‏}‏‏.‏

أي‏:‏ لا تطعه لأن كان ذا مالٍ وبنين *** ثم استأنف الكلام فقال‏:‏ إذا تتلى *** قابَلَها بالتكذيب، وحَكَمَ أنَّ القرآن من الاساطير‏.‏

‏{‏سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ‏}‏‏.‏

أي سنجعل له في القيامة على أنفهِ تشويهاً لصورته كي يُعْرَفَ بها‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنآ أَصْحَابَ الْجَنَّةَ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَ مُصْبِحِينَ‏}‏‏.‏

أي امتحنَّهم *** حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فابتلاهم الله بالجوع، حتى أكلوا الجِيَف- كما بلونا أصحاب الجنة، قيل‏:‏ إن رجلاً من أهل اليمن كانت له جنة مثمرة وكان له ثلاثة بنين، وكان للمساكين كل ما تَعدّاه المِنْجل فلم يجذه من الكَرْم، فإذا طُرح على البساط فكل شيء سقط عن البساط فهو أيضاً للمساكين، فما أخطأه القطافُ من نخلة وكَرْمه يَدَعه للمساكين، وكان يجتمع منه مال، فلما هو قال وَرَثَتُه‏:‏ إنَّ هذا المالَ تفرَّق فينا، وليس يمكننا أن نفعلَ ما كان يفعله أبونا، وأقسموا ألا يُعْطوا للفقراء شيئاً، فأهلكَ اللَّهُ جَنَّتهَم؛ فنَدموا وتابوا‏.‏

وقيل‏:‏ أَبدْلَهُم اللَّهُ جنةً حسنة، فأقسموا ليصرمُنَّ جنَّتهم وقت الصبح قبلَ أَنْ تفطِنَ المساكينُ، ولم يقولوا‏:‏ إن شاء الله‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏19- 20‏]‏

‏{‏فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ‏(‏19‏)‏ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ‏(‏20‏)‏‏}‏

أرسل عليها من السماء آفةً فأحرقت ثمارهم‏.‏ وأصبحت ‏{‏كَالصَّرِيمِ‏}‏ أي كالليل المسودِّ، فنادى بعضُهم بعضاً وقت الصبح‏:‏ أن اغدوا على حرثكم إن أردتم الصرام، فانطلقوا لا يرفعون أصواتهم فيما بينهم لئلا يسمعَهم أحدٌ‏.‏ وقصدوا إلى الصرام

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏عَلَى حَرْدٍ‏}‏ أي‏:‏ قادرين عند أنفسهم، ويقال‏:‏ على غضبٍ منهم على المساكين‏.‏

فلمّا رأوا الجنةَ وقد استؤصلَتْ قالوا‏:‏ ليست هذه جنتنا‏!‏‏!‏

ثم قالوا‏:‏ بل هذه جَنّتُنا *** ولكنّا حُرِمْنا خيرَها‏.‏

قال أوسطُهم‏:‏ أي أعدلُهم طريقةَ وأحسنُهم قولاً‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

‏{‏قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ‏(‏28‏)‏‏}‏

أي‏:‏ تستثنون وتقولون‏:‏ ‏{‏إِن شَآءَ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 70‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

‏{‏قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

ثم أقبل بعضُهم على بعض يتلاومون، ويقولون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏32- 37‏]‏

‏{‏عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ‏(‏32‏)‏ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ‏(‏33‏)‏ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ‏(‏34‏)‏ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ‏(‏35‏)‏ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ‏(‏36‏)‏ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

‏{‏عَسَى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ‏}‏‏.‏

قال تعالى‏:‏ ‏{‏كَذَالِكَ الْعَذَابُ‏}‏ لأهل مكة ‏{‏وَلَعَذَابُ الأَخِرَةِ أَكْبَرُ‏}‏

وهكذا تكون حالُ مَنْ له بدايةٌ حسنةٌ ويجدُ التوفيق على التوالي، ويجتنبُ المعاصي، فيُعَوضه اللَّهُ في الوقتِ نشاطاً، وتلوحُ في باطنه الأحوالُ *** فإذْا بَدَرَ منه سوءٌ دعوى أو تَرْكَ أدبٍ من آداب الخدمة تَنْسَدُّ عليه تلك الأحوالُ ويقع في قرْةٍ من الإعمال فإذا حَصَلَ منه بالعبادات إخلالٌ، ولبعض الفرائض إهمالٌ- انقلب حالُه، ورُدَّ من الوصال إلى البعاد، ومن الاقتراب إلى الاغتراب عن الباب، فصارت صفوتُه قسوةً‏.‏ وإن كان له بعد ذلك توبة، وعلى مَا سَلَفَ منه ندامة- فقد فات الأمُرُ من يده، وقلَّما يصل إلى حاله‏.‏

ولا يبعد أن ينظر إليه الحقُّ بأفضاله، فيقبله بعد ذلك رعايةً لما سَلَفَ في بدايته من أحواله *** فإنَّ الله تعالى رؤوفٌ بعباده‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏}‏‏.‏

الذين يتقون الشِّرْكَ والكُفْر، ثم المعاصيَ والفِسُقَ، لهم عند الله الثوابُ والأجْر‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُم كِتََابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ‏}‏‏.‏

كيف تحكمون‏؟‏ هل لديكم حجة‏؟‏ ‏{‏أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ‏}‏‏؟‏ أم لكم منا عهود فيها تحكمون‏؟‏ والمقصود من هذه الأسئلة نفي ذلك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏42- 46‏]‏

‏{‏يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ‏(‏42‏)‏ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ‏(‏43‏)‏ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏44‏)‏ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ‏(‏45‏)‏ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ‏}‏‏.‏

‏{‏عَن سَاقٍ‏}‏‏:‏ أي عن شِدَّةٍ يومَ القيامة‏.‏

ويقال في التفسير عن ساقِ العرش‏.‏

يُؤْمَرون بالسجود؛ فأمَّا المؤمنون فيسجدون، وأمَّا الكفار فتُشَدُّ أصلابُهم فلا تنحني‏.‏

وقيل‏:‏ يكشف المريضُ عن ساقه- وقت التوفِّي- ليُبْصِرَ ضعفَه- ويقول المؤذَّنُ‏:‏ حيِّ على الصلاة- فلا يستطيع‏.‏

وعلى الجملة فقد خَوَّفَهم بهذه القالة‏:‏ إمَّاعند انتهائهم في الدنيا أو ابتدائهم في الآخرة‏.‏

‏{‏وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏

يذكرهم بذلك ليزدادوا حسرةً، ولتكونَ الحجةُ عليهم أبلغَ‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بَهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏ سنُقَرِّبُهم من العقوبة بحيث لا يشعرون‏.‏

وبالاستدراجُ‏:‏ أَنْ يريد الشيءَ ويَطْوِي عن صاحبه وَجْهُ القَصْدِ فيه، ويُدْرِجُه إليه شيئاً بعد شيء، حتى يأخذه بغتةً‏.‏

ويقال‏:‏ الاستدراج‏:‏ التمكين من النِّعم مقروناً بنسيان الشكر‏.‏

ويقال‏:‏ الاستدراج‏:‏ أنهم كلما ازدادوا معصيةً زادهم نعمةً‏.‏

ويقال‏:‏ أَلاَّ يُعاقِبَه في حالِ الزَّلَّة، وإنما يؤخِّر العقوبَة إِلى ما بعدها‏.‏‏.‏‏.‏

ويقال‏:‏ هو الاشتغال بالنعمة مع نسيان المنعم‏.‏

ويقال‏:‏ الاغرارُ بطول الإمهال‏.‏

ويقال‏:‏ ظاهرٌ مغبوط وباطنٌ مُشَوَّش‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَأُمْلِى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ‏}‏‏.‏

أُمْهِلُهم *** ثم إِذا أَخَذْتُهم فأخْذِي أَليمٌ شديدٌ‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏أَمْ تَسْئَلَهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّتَقلُونَ‏}‏‏.‏

أي‏:‏ ليس عليهم كُلْفة مقابلَ ما تدعوهم إليه، وليست عليهم غرامة إِنْ هم اتبعوك *** فأنت لا تسأل أجراً *** فما موجِباتُ التأخُّرِ وتركُ الاستجابة‏؟‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏47- 51‏]‏

‏{‏أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ‏(‏47‏)‏ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ‏(‏48‏)‏ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ‏(‏49‏)‏ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏50‏)‏ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏أَمْ عِندَهُمُ الغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ‏؟‏‏}‏‏.‏

أم عندهم شيءٌ من الغيب انفردوا به وأوجب لهم ألا يستجيبوا‏؟‏‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرَ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ‏}‏‏.‏

صاحب الحوت‏:‏ هو يونس عليه السلام‏:‏ ‏{‏نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ‏}‏‏:‏ مملوء بالغيظ على قومه‏.‏ فلا تستعجلْ- يا محمد- بعقوبة قومك كما استعجل يونس فلقي ما لقي، وتَثَبَّتْ عند جريان حكمنا، ولا تُعارِضْ تقديرنا‏.‏

‏{‏لَّوْلآَ أَن تََدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ‏}‏‏.‏ أي‏:‏ لولا أَنَّ اللَّهَ رَحِمَه بفَضْلِه لَطُرِحَ بالفضاء وهو مذموم ولكن‏:‏ ‏{‏فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ‏}‏‏.‏

فاصطفاه واختاره، وجعله من الصالحين بأن أَرسله إِلى مائة أَلف أَو يزيدون‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ‏}‏‏.‏

كانوا إِذا أرادوا أَنْ يُصيبوا شيئاً بأعينهم جاعوا ثلاثةَ أَيامٍ، ثم جاؤوا ونظروا إِلى ذلك الشيء قائلين‏:‏ ما أَحسنه من شيء‏!‏ فكان يسقط المنظور في الوقت‏.‏ وقد فعلوا ذلك بالنبي صلوات الله عليه، فقالوا‏:‏ ما أَفصحه من رجل‏!‏ ولكنَّ الله سبحانه حفظه، ومَنَّ بذكره عليه‏.‏

سورة الحاقة

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 4‏]‏

‏{‏الْحَاقَّةُ ‏(‏1‏)‏ مَا الْحَاقَّةُ ‏(‏2‏)‏ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ ‏(‏3‏)‏ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ‏(‏4‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏الحَآقَّةُ مَا الحَآقَّةُ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحَآقَّةُ‏}‏‏.‏

«الحاقة»‏:‏ اسمٌ للقيامة لأنها تَحُقُّ كلَّ إنسانٍ بعملهِ خَيْرِه وشَرِّه‏.‏

‏{‏وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحَآقَّةُ‏}‏ استفهام يفيد التعظيم لأمرها، والتفخيمَ لشأنها‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ‏}‏‏.‏

ذَكَرَ في هذه السورة‏:‏ الذين كَذَّبوا رُسُلَهم من الأمم، وأصرُّوا على كُفْرِهم، ولم يقبلوا النصيحةَ من أنبيائهم، فأهلكهم، وانتقم لأنبيائه منهم‏.‏

والفائدةُ في ذِكْرِهم‏:‏ الاعتبارُ بهم، والتحرُّرُ عمَّا فعلوا لئلا يُصيبَهم ما أصابهم‏.‏ وعقوبةُ هذه الأمةِ مُؤَجَّلةٌ مُؤَخَّرَةٌ إلى القيامة، ولكنَّ خواصَّهم عقوبتُهم مُعجَّلة؛ فقومٌ من هذه الطائفة إذا أشاعوا سِرًّا، أو أضاعوا أدباً يعاقبهم برياح الحجبة، فلا يَبْقى في قلوبهم أثرٌ من الاحتشام للدِّين، ولا مِمَّا كان لهم من الأوقات، ويصيرون على خَطَرٍ في أحوالهم بأنْ يُمْتَحنوا بالاعتراض على التقدير والقِسْمة‏.‏

وأمَّا فرعون وقومُه فكان عذابُهم بالغَرَقِ *** كذلك مَنْ كان له وقتٌ فارغٌ وهو بطاعة ربِّه مشتغِلٌ، والحقُّ عليه مُقْبِلٌ- فإذا لم يشكرْ النعمةَ، وأساءَ أدبَه، ولم يَعْرِفْ قَدْرَ ما أنعم اللَّهُ به عليه رَدَّه الحقُّ إلى أسباب التفرقة، ثم أغرقه في بحار الاشتغال فيتكدر مَشْرَبُه، ويصير على خَطَرٍ بأن يُدْرِكَه سُخْطُ الحقِّ وغضبُه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ‏(‏11‏)‏‏}‏

وكذلك تكون مِنَّتُه على خواصِّ أوليائه حين يسلمهم في سفينة العافية، والكون يتلاطم في امواجِ بحارِ الاشتغالِ على اختلاف أوصافها، فيكونون بوصف السلام، لا مُنَازَعَةَ ولا محاسبةَ لهم مع أحد، ولا تَوَقَعَ شيءٍ من أحدٍ؛ سالمون من الناسِ، والناسُ منهم سالمون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ‏(‏13‏)‏‏}‏

بدأ في وصف القيامة والحساب‏.‏‏.‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 21‏]‏

‏{‏يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ‏(‏18‏)‏ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ‏(‏19‏)‏ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ‏(‏20‏)‏ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ‏(‏21‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏ *** يَوْمَئذٍ تُعْرِضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ‏}‏ وفي كلِّ نَفَسٍ مع هؤلاء القوم محاسبَةٌ ومطالَبةٌ، منهم مَنْ يستحق المعاتبة، ومنهم من يستحق المعاقبة‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينه فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرءُواْ كِتَابِيَهْ إِنِّى ظَنَنتُ إِنِّ مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ‏}‏‏.‏

يسلم له السرورُ بنعمة الله، ويأخذ في الحمد والمدح‏.‏

‏{‏فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ‏}‏‏.‏

القومُ- غداً- في عيشةٍ راضية لأنه قد قُضِيَتْ أوطارُهم، وارتفعت مآربُهم، وحصلت حاجاتُهم، وهم- اليومَ- في عيشةٍ راضية إذ كَفُّوا مآرِبَهم فَدَفَعَ عن قلوبهم حوائجَهم؛ فليس لهم إرادةُ شيءٍ، ولا تَمَسُّهم حاجةٌ‏.‏ وإنماهم في رَوْح الرضا *** فعَيْشُ أولئك في العطاء، وعَيْشُ هؤلاء في الرضاء؛ لأنه إذا بدا عِلْمٌ من الحقيقة أو معنًى من معانيها فلا يكون ثمة حاجة ولا سؤال‏.‏ ويقال لأولئك غداً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏24- 27‏]‏

‏{‏كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ‏(‏24‏)‏ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ‏(‏25‏)‏ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ‏(‏26‏)‏ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِى الأَيَّامِ الخَالِيَةِ‏}‏‏.‏

ويقال لهؤلاء‏:‏ اسمعوا واشهدوا *** اسمعوا منَّا *** وانظروا إلينا، واستأنِسوا بقُرْبنا، وطالعوا جمالَنا وجلالَنا *** فأنتم بنا ولنا‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ‏:‏ يَالَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ‏}‏‏.‏

هناك- اليومَ- أقوامٌ مهجورون تتصاعد حسارتُهم، ويتضاعف أنينُهم- ليلَهم ونهارَهم- فليلُهم ويلٌ ونهارهم بُعَاد؛ تكدَّرتْ مشاربُهم، وخربت أوطانُ أُنْسِهم، ولا بكاؤهم يُرْحَم، ولا أنينُهم يُسْمَع *** فعِنْدَهم أنهم مُبْعَدون *** وهم في الحقيقة من اللَّهِ مرحومون، أسبلَ عليهم السترَ فَصَغَّرَهم في أعينهم- وهم أكرمُ أهل القصة‏!‏ كما قالوا‏:‏

لا تُنْكِرنْ جحدي هواكَ فإنما *** ذاك الجحودُ عليك سترٌ مُسْبَلُ

تفسير الآيات رقم ‏[‏38- 40‏]‏

‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ‏(‏38‏)‏ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ‏(‏39‏)‏ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ‏(‏40‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَلآَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏

«لا» صلة والمعنى‏:‏ أُقْسِم؛ كأنه قال‏:‏ أقسم بجميع الأشياء، لأنه لا ثالثَ لما يبصرون وما لا يبصرون‏.‏ وجوابُ القَسَم‏.‏

‏{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ‏}‏‏.‏‏.‏

أي وجيهٍ عند الله‏.‏ وقولُ الرسولِ الكريم هو القرآنُ أو قراءةُ القرآن‏.‏

وما هو بقول شاعر ولا بقول كاهن أي أَن محمداً ليس شاعراً ولا كاهناً بل هو‏:‏

‏{‏تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏44- 46‏]‏

‏{‏وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ‏(‏44‏)‏ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ‏(‏45‏)‏ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ‏}‏‏.‏

أي لو كان محمدٌ يكذب علينا لمنعناه منه وعصمناه عنه، ولو تعمَّد لعذَّبناه‏.‏ والقول بعصمة الأنبياء واجب‏.‏ ثم كان لا ناصرَ له منكم ولا من غيركم، وهذا القرآن‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏48- 51‏]‏

‏{‏وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏48‏)‏ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ ‏(‏49‏)‏ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ‏(‏50‏)‏ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ‏(‏51‏)‏‏}‏

‏{‏وََإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكّذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ‏}‏‏.‏

حقُّ اليقين هو اليقين فالإضافة هكذا إلى نفس الشيء‏.‏

وعلوم الناس تختلف في الطرق إلى اليقين خفاءً وجلاءً؛ فما يقال عن الفرق بين علم اليقين وعين اليقين وحقِّ اليقين يرجع إلى كثرة البراهين، وخفاء الطريق وجلائه، ثم إلى كون بعضه ضرورياً وإلى بعضه كسيباً، ثم ما يكون مع الإدراكات‏.‏

سورة المعارج

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 5‏]‏

‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ‏(‏1‏)‏ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ‏(‏2‏)‏ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ‏(‏3‏)‏ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ‏(‏4‏)‏ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ‏(‏5‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ‏}‏‏.‏

الباء في ‏{‏بِعَذَابٍ‏}‏ بمعنى عن، أي سأل سائلٌ عن هذا العذاب لِمَنْ هو‏؟‏ فقال تعالى‏:‏ ‏{‏لِّلْكَفِرِينَ لَيْسَ لهُ دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِى الْمَعَارِجِ‏}‏‏.‏

هذا العذاب للكافرين ليس له دافع ‏{‏مِّنَ اللَّهِ ذِى الْمَعَارِجِ‏}‏؛ فهذا العذابُ من الله‏.‏

ومعنى ‏{‏ذِى الْمَعَارِجِ‏}‏ ذي الفضل ومعالي الدرجات التي يُبْلِغُ إليها أولياءَه‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالْرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ‏}‏‏.‏

‏{‏وَالرُّوحُ‏}‏ أي جبريل، في يومٍ كان مقداره ألف سنة من أيام الدنيا يعني به يوم القيامة‏.‏

ويقال‏:‏ معناه يحاسِبُ الخَلْقَ في يوم قصيرٍ ووقتٍ يسير ما لو كان الناسُ يشتغلون به لكان ذلك خمسين ألف سنة، واللَّهُ يُجْرِي ذلك ويُمضيه في يومٍ واحد‏.‏

ويقال‏:‏ من أسفلِ المخلوقاتِ إلى أعلاها مسيرةُ خمسين ألف سنة للناس؛ فالملائكة تعرج فيه من أَسفله إلى أعلاه في يومٍ واحد‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً‏}‏‏.‏

فاصبرْ- يا محمد- على مقاساةِ أذاهم صبراً جميلاً‏.‏ والصبرُ الجميلُ ما لا شكوى فيه‏.‏

ويقال‏:‏ الصبر الجميل ألا تَسْتَثْقِلَ الصبرَ بل تستعذبه‏.‏

ويقال‏:‏ الصبرُ الجميل ما لا ينْتَظِرُ العبدُ الخروجَ منه، ويكون ساكناً راضياً‏.‏

ويقال‏:‏ الصبرُ الجميل أن يكون على شهود المُبْلِي‏.‏

ويقال‏:‏ الصبرُ الجميل ما تجرَّد عن الشكوى والدَّعْوى‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏6- 17‏]‏

‏{‏إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ‏(‏6‏)‏ وَنَرَاهُ قَرِيبًا ‏(‏7‏)‏ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ‏(‏8‏)‏ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ‏(‏9‏)‏ وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ‏(‏10‏)‏ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ‏(‏11‏)‏ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ‏(‏12‏)‏ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ‏(‏13‏)‏ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ‏(‏14‏)‏ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى ‏(‏15‏)‏ نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ‏(‏16‏)‏ تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى ‏(‏17‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً‏}‏‏.‏

إِنَّ ما هو آتٍ فقريبٌ، وما اسْتَبْعَدَ مَنْ يستَبْعِد إلاَّ لأنّه مُرْتَابٌ؛ فأمّا الواثِقُ بالشيءِ فهو غيرُ مُسْتَبْعِدٍ له‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تَكُونُ السَّمَآءُ كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ‏}‏‏.‏

الإشارة فيه أنه في ذلك اليوم مَنْ كان في سُمُوِّ نخوته ونُبُوِّ صولته يلين ويستكين ويَضْعُفُ مَنْ كان يَشْرُفُ، ويَذَلُّ مَنْ كان يُذِلُّ‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً‏}‏‏.‏

لا يَتَفَرَّغُ قريبٌ إلى قريبٍ؛ فلكلِّ امرئ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغْنيه‏.‏

ولا يَتَعَهَّدُ المساكينَ- في ذلك اليوم- إلا الله‏.‏

‏{‏يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِى تُئْوِيِهِ وَمَن فِى الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ‏}‏‏.‏

‏{‏يُبَصَّرُونَهُمْ‏}‏ أي يعرفون أقاربهم، ولكن لا تَرِقُّ قلوبُ بعضهم على بعض‏.‏

ويتمنَّى المجرمُ يومئذٍ أَنْ يُفتدىَ من عذاب جهنم بأعز مَنْ كان عليه في الدنيا من قريبٍ ونسيب وحميم وولدٍ، وبكلٍّ من الأرض حتى يخلص من العذاب‏.‏

‏{‏كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى‏}‏‏.‏

اسم من اسماء جهنم‏.‏

‏{‏نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى‏}‏‏.‏

قَلاَّعةٌ للأطراف‏.‏ تكشط الجِلْدَ عن الوجه وعن العَظْم‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى‏}‏‏.‏

تقول جهنمٌ للكافرِ والمنافقِ‏:‏ يا فلان‏.‏‏.‏ إليَّ إليَّ‏.‏

والإشارة فيه‏:‏ أنَّ جهنمَ الدنيا تعلق بقلبِ المرءِ فتدعوه بكلابِ الحِرْصِ إلى نَفْسِه وتجرُّه إلى جمعها حتى يؤثرها على نَفْسه وكلِّ أحد له؛ حتى لقد يَبْخَلُ بدنياه على أولاده وأَعِزَّتهِ *** وقليلٌ مَنْ نجا من مكر الدنيا وتسويلاتها‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏19- 26‏]‏

‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ‏(‏19‏)‏ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ‏(‏20‏)‏ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ‏(‏21‏)‏ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ‏(‏22‏)‏ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ‏(‏23‏)‏ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ‏(‏24‏)‏ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ‏(‏25‏)‏ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ‏(‏26‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏إِنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً‏}‏‏.‏

وتفسيره ما يتلوه‏:‏

‏{‏إِذَا مَسَّّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً‏}‏‏.‏

والهََلَعُ شِدَّةُ الْحِرِصِ مع الجزع‏.‏ ويقال هلوعاً‏:‏ متقلِّباً في غمرات الشهوات‏.‏

ويقال‏:‏ يُرْضيه القليلُ ويُسْخِطه اليسير‏.‏

ويقال‏:‏ عند المحنه يدعو، وعند النعمة ينسى ويسهو‏.‏

‏{‏إِلاَّ الْمُصلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ‏}‏‏.‏

استثنى منهم المصلين- وهم الذين يُلازِمون ابداً مواطنَ الافتقار؛ مِنْ صَلِيَ بالمكان‏.‏

‏{‏وَالَّذينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ‏}‏‏.‏

وهم المُتَكفِّف والمُتَعَفِّف‏.‏

وهم على أقسام‏:‏ منهم مَنْ يُؤْثر بجميع مالِه؛ فأموالُهم لكلِّ مَنْ قَصَدَ، لا يخصُّون سائِلاً من عائل‏.‏ ومنهم مَن يعطي ويمسك- وهئلاء منهم- ومنهم مَنْ يرى يَدَه يَدَ الأمانه فلا يتكلِّف باختياره، وإنما ينتظر ما يُشَار عليه به من الأمر؛ إِمَّا بالإمساك فيقف أو ببذْلِ الكُلِّ أو البعضِ فيستجيب على ما يُطَالَبُ به وما يقتضيه حُكْمُ الوقت *** وهؤلاءِ أَتَمُّهُم‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ‏}‏‏.‏

وأماراتهُم الاستعدادُ للموتِ قبل نزوله، وأن يكونوا كما قيل‏:‏

مستوفزون على رِجْلٍ كأَنهمو *** فقد يريدون أن يمضوا فيرتحلوا

تفسير الآيات رقم ‏[‏29- 32‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ‏(‏29‏)‏ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ‏(‏30‏)‏ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ‏(‏31‏)‏ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُونَ‏}‏‏.‏

وإنما تكون صحبتُهم مع أزواجهم للتَّعَفُّفِ وصَوْنِ النَّفْسِ، ثم لابتغاء أن يكونَ له وَلَدٌ من صلبه يذكر الله‏.‏ وشَرْطُ هذه الصحبة‏:‏ أن يعيش معها على ما يهون، وألا يجرَّها إلى هَوَى نَفسِه ويحملها على مرادِه وهواه‏.‏

قوله جلّ ذكره‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ‏}‏‏.‏

يحفظون الأمانات التي عندهم للخَلْق ولا يخونون فيها‏.‏ وأمانات الحق التي عندهم أعضاؤهم الظاهرة- فلا يُدَنِّسُونها بالخطايا؛ فالمعرفة التي في قلوبهم أمانة عندهم من الحق، والأسرارُ التي بينهم وبين الله أماناتٌ عندهم‏.‏ والفرائضُ واللوازمُ والتوحيدُ *** كل ذلك أماناتٌ‏.‏

ويقال‏:‏ من الأمانات إقرارُهم وقتَ الذّرِّ‏.‏ ويقال‏:‏ من الأمانات عند العبد تلك المحبة التي أودعها اللَّهُ في قلبه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏33‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

شهادتهم لله بالوحدانية، وفيما بينهم لبعضهم عند بعض- يقومون بحقوق ذلك كله‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏36- 37‏]‏

‏{‏فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ‏(‏36‏)‏ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ‏(‏37‏)‏‏}‏

والإهطاع أن يُقْبِلَ ببصره إلى الشيءِ فلا يرفعه عنه، وكذلك كانوا يفعلون عند النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏عِزينَ‏}‏‏:‏ أي خَلْقاً خَلْقاً، وجماعةً جماعة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ‏(‏38‏)‏‏}‏

كلا *** إنك لا تدعو عن هذا‏!‏ وليس هذا بصوابٍ؛ فإنهم- اليوم- كفار، وغداً يعاملون بما يستوجبون‏.‏

‏{‏فَلآَ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ‏}‏ لا- هنا صلة، والمعنى أقسم‏.‏ وقد مضى القولُ في المشارق وْالمغارب- ‏{‏إِنَّا لَقَادِرُونَ‏}‏ على ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏42‏]‏

‏{‏فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏فّذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا‏}‏ غاية التهديد والتوبيخ لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏43‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ‏(‏43‏)‏‏}‏

‏{‏يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً‏}‏ كأَنهم يسرعون إلى أصنامهم، شبَّه إسراعهم حين قاموا من القبور بإسراعهم إلى النُّصُبِ- اليومَ- كي يقوموا بعبادتهم إياها‏.‏